هل بالفعل إذا تحققت أحلامنا نكتشف أنها مجرد خيبات جديدة؟ هل حين نصل إلى اللحظة التي نريدها تزداد تعاستنا بتحققها؟ كأننا في اللحظة التي بدأنا نشعر بها بالسعادة تتلاشى منا.. هل حُكم على الانسان بالتعاسة الابدية ؟..هل خوفنا دائما يقوض شكل أحلامنا حين تتحقق فلا تعود تنتمي إلينا..؟
منذ أسبوع وصلت إلى مصر ..القاهرة ولم تكن هذه المرة الأولى التي أرى فيها مصر بعد الثورة، فقد فعلت في شهر ابريل حين توجهت إلى بلجراد، ولكني لم أكتب لحظتها لأنني لو كتبت كنت سأظلم الثورة كثيرا فلم تعد مصر هي مصر، ولم يعد الهواء ورائحة الاشياء وشكل المقاهي كما كان، ولم أرَ سحر الكرامة على وجوه الناس وفي تصرفاتهم كما توقعت، بل كل ما في الموضوع أن غرور الشباب إزداد وأصبحت لهم حكايات الزنازين متلازمة وهو ما أعتبره مهماً لأني أعاني من الأعراض ذاتها!! لكنه ليس كافيا من وجهة نظري، ووقتها فكرت أنه لو استمرت ايام الثورة ال18 يوما لتتمدد إلى سنين كان سيتغير المجتمع من الداخل بما يشمل نفسية أفراده وسلوكياتهم، وكنت بحاجة الى الرجوع مرة اخرى لمصر كي أكتب عن ما بعد الثورة، وها انا الان هنا لأعرف عن ماذا أكتب بالضبط؟ وهل التيه الذي أعيشه هو بالفعل يعيشه الثوار كما كتب أحدهم على تويتر، ان كل يوم يمر بعد الثورة مثل دقيقة خلالها بمعنى أن لكل وقت يمر تأثيره وتبيناته المفجعة لأصحاب الثورة قبل مراقبينها من الخارج.
“هو حلم استمر 18 يوما وانتهى”، هكذا قالت احدى ناشطات الثورة وبالفعل هو حلم انتفاضة مصر وانتهى برحيل مبارك، لتأتي بعده متتاليات الخيبة : السلفيون ومعهم الاخوان، الجيش، المحاكمات العسكرية للثوار والناشطين، التهاون في محاكمة الفاسدين، تكسب بعض اصحاب الثورة من الثورة، الخلافات والانشقاقات بين الشباب.
وشيئا فشيئا اصبحت ثورة مصر تشبه لعنة على اصحابها وهذا ليس اختراعي بل هي خطة دقيقة ولئيمة يعمد إليها المجلس العسكري المصري من خلال تشويه المظاهرات والربط بين التظاهر والبلطجة وتخريب البلد إلى درجة أنني سمعت سائق تاكسي كنت أستقله اليوم يعلق على اثنين يتشاجران في الشارع” أهو ده الي اخذناه من الثورة”، وفكرت في كلامه هل فوضى الفراغ او فوضى التعبير اذا صح القول هي بسبب الثورة ام انها ضرورة حتمية للثورات كي يحدث التغيير الحقيقي؟ هل يجب علينا الانتظار قبل ان نظلم الثورة ونحاكمها ام ان هذا الانتظار خطير وسط تحكم المجلس العسكري الذي تحول إلى جلاد يقوض الثورة من اساسها ؟ .
ان ثوار مصر بحاجة إلى تجديد العهود مثلما يفعل بعض الازواج حين يجددون عهود زواجهم ليأكدوا على الاخلاص والحب، ولكن الى متى سيبقى مسلسل تجديد العهود اذا لم تُغرس اعمدة الثورة والمبادئ التي اصروا عليها عميقا في الحاضر كي يتغير كل ما هو قادم..
تجديد العهود سيكون يوم الجمعة القادم الموافق 27-5-2011، ولكن أخشى على الثوار من بطش الجيش فبعد دفاعه المستميت عن السفارة الاسرائيلية -رغم أنه فشل في حماية الكنائس من الحرق- أثناء مظاهرات الزحف أمامها ومقتل متظاهر قبل يومين متأثرا بجراحه، أصبح الجميع يخشون من أن يفعل الجيش ومعه المجلس العسكري كل شيء من أجل أن يثبتوا أنهم يتحكمون بالبلد..
اذا كانت التشكيلة الثقافية الجديدة لمصر تقول أن السلفيين لهم مكان، وبالتالي يجب أن نستوعب عنفهم ولو مؤقتا فهم مثل اسد فتحت له الثورة القفص، واذا كان الاقباط الذين هم ايضا يحاولون أخذ مكانهم بقوة ويتظاهرون عند مبنى ماسبيرو ليقولوا للسنة “كفاكم كرها لنا ” وأرى أن هذا الكره اتاحته لهم حرية التعبير عن المشاعر بعد الثورة فقد فكت لجام كل المشاعر السلبية والايجابية اتجاه المواطنين بعضهم البعض، وهذا بالطبع لا تلام عليه الثورة ولا الثوار..ولكن يجب أن يعرفوا كيف يتعاملون معه والا سيزداد عدد الصيادين في المياه العكرة..وأرجع إلى سؤال الحيرة الاول : اذا كان كل من هؤلاء يبحث عن مكانه؟ فأين أنت يا مصر؟ما الذي نريد ان تكون عليه مصر الحقيقية؟..
يوم الجمعة الماضية 13-5-2011 ذهبت إلى ميدان التحرير من أجل جمعة فلسطين وأصابني الغثيان من الشعارات التي كان يرددها مئات الألوف، شعارات كان يحثهم عليها صفوت حجازي أحد قيادات الاخوان المسلمين والذي احتل المنبر يومها ووصفه احدهم انه أكثر تطرفا من محمد حسان “ملك السلفية”.
شعارات لا تنتمي الى فلسطين التي نريدها ويصاحبها عصبات للرأس يرتديها شباب المراهقة الاسلامية مكتوب عليها جيش محمد، لأنهم يريدون فلسطين اسلامية، هل نسوا التنوع الديني في فلسطين والتي هي مهبط الأديان الثلاثة؟ أم أنهم لا يدرون؟ من قال اننا نريد الحرب والقتل والانتقام ليأتي الثوار الاسلامويون بأحلامهم لتحريرنا بالحرب ثم يأسلموننا، وآخرون باحلامهم الشيوعية الوردية لتحريرنا عبر الحرب أيضا .
“خيبر خيبر يا يهود..جيش محمد سوف يعود” هذه أيديولوجيا يحاول الثوار فرضها على تاريخنا وليس شعارا غاضبا وحسب هذا ما لم يفهمه معظم الثوار وهذا ما دفعني أيضاً للصراخ في وجه احدهم وهو يتشدق بأنه قادم لتحريرنا “يا روح امك..مش عاوزينكم تحررونا”..وبالطبع كان قصدي ما قاله الثائر جيفارا “لا وجود للمحررين..فالشعوب وحدها هي من تحرر نفسها”.
يبدو أن “عجقة” الثورات جعلت الثوار يستعجلون الانتفاضة الثالثة التي أرى أنها حادت الثورات العربية عن هدفها ألا هو التغيير وخوض شعوبها حربا مع قادتهم الفاسدين فما اسهل من ان يعطي الاسد الضوء الاخضر كي يعبر المتظاهرون إلى حدود قرية مجدل شمس في الجولان المحتل، فيصبح هو المناضل بدلا عن الدكتاتور الفاسد، واعتقد اننا بحاجة الى التركيز اليوم على نجاح ثوراتنا الداخلية والدخول الى الربيع العربي الحقيقي، دون ان يكون ربيعا يخفي في داخله خريفا عجوزا مرعبا..
إذا لم تنجح الثورة في سوريا فلن تنجح في أي مكان بل سيتوقف هوي أحجار لعبة الدومينو ..وسيفشل الشعب في اليمن والبحرين وليبيا ..وتصبح خيبة مصر بعد الثورة أمرا هيناً مقارنة بهزيمة الثورات في بقية الدول..وسيكون علينا ان نتجرع الالم دون ان ننطق بحرف واحد نحن شباب آذار ويناير وفبراير ..الابناء الحقيقيون لأعظم الثورات ..
ولن تستطيع واحدة مثلي فخورة بغرور الشباب العربي خاصة بعد أن عرفنا حجم طاقاتنا ان تنظر في عيون الظالمين والفاسدين مرة أخرى، وحين ارى صورا للقذافي كما صدمتني في صربيا على جدران بلجراد علي ألا أزيلها بل امشي من تحتها بصمت وخجل….وليس كما فعلت يومها حين نزعتها بعنف وانا “ابرطم” اللعنات..ومن يعلقها بالطبع هم أعضاء الحزب الصربي اليميني الذي يناصر القذافي لان حلف الناتو الذي يضربه الآن ضربهم من قبل اثناء جرائمهم في البوسنة..
بدأنا منذ الآن نحمل ثوراتنا على أكتافنا ونمضي بها مغامرين ونفاخر بها كأنها من الماضي..كلها ارهاصات خوف وقلق من مستقبل مجهول ..ربما سيكون علينا نحن الشباب ان نخرس للابد ونرفع كلمة ثورة من القاموس ..لذلك علينا ان ننقذ ثوراتنا من حماسنا الزائد واحلامنا التي بمجرد تحققها تنتابنا الكوابيس..
أنتظركم وأنتظركن
أسماء الغول
القاهرة 22-5-2011